حركة سفر كبيرة نحو الجنوب الشرقي بمناسبة عيد الأضحى
الدار البيضاء : حركة سفر كبيرة نحو الجنوب الشرقي بمناسبة عيد الأضحى
إعداد: عبد اللطيف الجعفري
مع اقتراب عيد الأضحى من كل عام، يحزمون عزمهم قبل أمتعتهم في عمليات سفر فردية وجماعية صوب مناطقهم بالجنوب والجنوب الشرقي لقضاء هذه المناسبة الدينية بين أسرهم وأهلهم.
تتحول هذه العملية، كلما اقتربت هذه المناسبة الدينية العزيزة على قلوب المغاربة، إلى موسم حقيقي للهجرة يتم الاحتفاء به والانخراط فيه بكثير من الحماس والهمة.
يتعلق الأمر بأسر كاملة أو أشخاص يقطنون بالعاصمة الاقتصادية إما بشكل نهائي أو يقيمون بها بشكل مؤقت، لكن قاسمهم المشترك هو أنهم يعضون بالنواجد على أصولهم الجغرافية وعاداتهم وتقاليدهم التي تجلبهم بشكل قوي كلما اقترب عيد الأضحى، أو” العيد الكبير”.
هذه الهجرة البشرية العارمة صوب مناطق الجنوب والجنوب الشرقي، التي لا تخطئها العين في كل المحطات الطرقية أياما قليلة قبل حلول هذه العيد ، تختلف تماما في كثير من تفاصيلها ومراميها، مع ما نسجته يد الكاتب السوداني الطيب صالح في روايته المشهورة “موسم الهجرة إلى الشمال” التي تدور حول قصة “مصطفى سعيد” الطفل اليتيم الذي يملك قدرة كبيرة على الفهم والتعلم، ولا شيء يربطه بقريته ولا حتى أمه، حيث يتنبأ له مدرسوه بالنبوغ، ويساعده المدير في التوجه إلى القاهرة ليتابع تعليمه الثانوي.
العكس يحدث بالنسبة لهؤلاء تماما، حيث يكون سبب هذه الهجرة من العاصمة الاقتصادية صوب الجنوب والجنوب الشرقي، العلاقات الوطيدة والقوية التي تنضح بمنسوب كبير من الحنين والشوق، من جهة مع العالم القروي وأرضه، ومن جهة أخرى مع الأسر والأهل والأحباب.
في هذه الحالات، يتحول الحرص الشديد على السفر خلال عيد الأضحى إلى” طقس ” لا يمكن التخلي عنه في كل الظروف والأحوال، لأن الأمر يتعلق بعشق وحنين يصعب وصفه.
فحتى خلال فترة الجائحة، لم تمنع “كورونا” هؤلاء من السفر أياما قليلة قبل حلول عيد الأضحى، حيث غامروا في هجرات فردية وجماعية محفوفة بالمخاطر الصحية وحتى مخاطر لها صلة بحركة السير، وهو ما يعكس التشبث بزيارة الأسر والأحباب والعودة إلى الأصول مهما كلف ذلك من ثمن.
فهذه الهجرات العكسية المؤقتة أو العودة إلى “البلاد” تتطلب ترتيبات كثيرة لعل أهمها حجز تذاكر السفر مبكرا من مختلف محطات النقل الطرقي بالدار البيضاء، أو السفر عبر سيارات خاصة، ثم اقتناء ملابس العيد حتى للأهل والأحباب وهدايا كثيرة، كما أسر بذلك السيد “عبد القادر” المنحدر من طاطا، والذي يحرص على التوجه ” للبلاد”، تاركا عمله بأحد الحمامات بالدار البيضاء.
فالسفر خلال عيد الأضحى، يضيف عبد القادر في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، هو قطعة من الشوق للأهل والأحباب محفوفة بكثير من الحنين، خاصة مع وجود عادات وتقاليد هناك، دون نسيان الاحتفالات والأعراس التي تقام بمناطق الجنوب والجنوب الشرقي مباشرة بعد يوم عيد الأضحى، وهو ما يشكل فرصة للقاء الأحباب والأصحاب ضمن أجواء يغلب عليها الفرح واستحضار الذكريات الجميلة.
هناك إذن قواسم مشتركة تقريبا بين مناطق الجنوب والجنوب الشرقي في التعاطي مع الطقوس والتقاليد المتوارثة في صلة بهذه المناسبة الدينية، وهي التي تجلب الناس للحرص على السفر صوب مناطقهم، كما جاء على لسان عبد السلام، المنحدر من أحد دواوير زاكورة والذي يشتغل بالدار البيضاء منذ سنوات.
أوضح عبد السلام، في حديث مماثل، أن ساكنة الجنوب والجنوب الشرقي، التي كانت مضطرة في وقت من الأوقات للهجرة من أجل العمل بالدار البيضاء، تتحدث عن نفس الأسباب تقريبا التي تدفعها لمعانقة مجددا مناطقها خلال عيد الأضحى. من ذلك أجواء الاحتفالات والفرح هناك رغم بساطتها، وكثرة الأعراس، ولقاء الأحباب والأصدقاء، نوعية الأكل (“القديد”، خل تقليدي يصنع محليا كي يعطي للحم الأضحية لذة رفيعة).
فهل يتعلق الأمر بنوع من الكتارسيس الذي يمارسه هؤلاء عن قصد أو غير قصد هربا من ضغوطات مدينة كبيرة بحجم الدار البيضاء ؟
لاشك أن للسفر فوائد خاصة ترجح ذلك خاصة إذا كان مدفوعا بالشوق والحنين .. كما يقول الإمام الشافعي: “سافر ففي الأسفار فوائد منها تفر ج هم وا كتساب معيشة، وعلم و آداب وصحبة ماج د”.