رسالة مؤثرة بلغة راقية لضحية الكريساج بمراكش
الكاتبة الإيطالية نيكوليتا بورتولوتي التي كانت ضحية عملية سرقة مقرونة بالعنف بمدينة مراكش تنشر عبر حائطها :
أنزع الجبيرة عن يدي اليسرى لأتمكّن من الكتابة بسهولة أكبر، ربما كان من الأفضل أن أكتب باليمنى، لكني تركت الدفتر في الغرفة.
كان من المفترض أن تكون أربعة أيام في مراكش مع زوجي، وأبي وزوجته، لنختتم خريفاً غريباً ونهاية رواية.
ننطلق يوم الأربعاء 26 نوفمبر ونعود يوم السبت 29 نوفمبر في وقت متأخر من المساء. يوم الجمعة 28 نوفمبر نقرر أنا وزوجي القيام برحلة إلى الصويرة، المدينة البيضاء والزرقاء على المحيط الأطلسي. لم نصل إليها.
نلتقي مع زوجين آخرين من السياح في الثامنة والنصف أمام باب مكتب الرحلات، في زقاق ضيّق داخل المَدينة، على بعد خمسين متراً من ساحة جامع الفنا.
ما حدث بعدها رواه لي زوجي، لأنني لم أرَ شيئاً، رأيت ظلاماً، في الواقع لوناً بنياً، ربما شعرت بألم شديد وفقدت الوعي.
أجد نفسي أحاول المشي بصعوبة بينما يسندني أحدهم (زوجي) حتى نصل إلى كرسي متحرك، ثم أخيراً إلى مستشفى، على نقالة، حيث لفّوا رأسي بشدّة مما منحني بعض الارتياح. لا أرى بعيني، هل فقدت البصر؟
في الحقيقة، قبل تلك الخطوات، كان زوجي، مع التجار الموجودين ورجل مشرّد خرج من صندوقه عند زاوية الشارع ليقدّم المساعدة، قد حملوني واقتادوني إلى الرياض الذي كنا نقيم فيه، ومن هناك استدعوا سيارة أجرة (لأنهم لم يكونوا متأكدين إن كانت سيارة الإسعاف ستصل في الوقت المناسب)، ونقلوني سريعاً إلى ذلك المستشفى.
وقبل ذلك كله، سجلت كاميرا الجزار المقابل وصول دراجة نارية بسرعة كبيرة عليها رجلان مقنّعان جاءا من خلفي ليخطفا حقيبتي. خطفا الحقيبة وبسبب الاصطدام ألقيا بي بعنف على الأرض، على الرصيف الحجري. وبقيت هناك. وزوجي، في حالة ذعر، يخشى أنني متُّ.
يقلبونني، لديّ جرح في رأسي عرضه سنتان وطوله ثلاثة سنتيمترات يظهر منه العظم، كما قال زوجي، والدم يتدفق بغزارة، البنطال، القميص، الشعر ملطخ بالدم. العين اليمنى تبدو مدمّرة (لكنها لم تكن كذلك، لحسن الحظ).
في المستشفى، يدفع زوجي كل ما يجب دفعه: السكانير، الأشعة، جبيرة لليد، أشعة للكتف، والأهم خياطة الجرح في الرأس وفحص العين. تشخيص: ارتجاج في الدماغ مع فقدان مؤقت للوعي. أبدأ أستعيد وعيي.
تتحرك حولي ممرضات شابات لطيفات يرتدين الحجاب، وطبيب بيدين كأنهما يدَي ساحر وبابتسامة متعاطفة، ابتسامة المغاربة جميعاً، يخيط رأسي دون أن يؤلمني. يصل رجال الشرطة إلى المستشفى بسرعة وتنظيم لملء محضر الشكوى فوراً. في الحقيبة كان هناك بعض الدراهم (ليست كثيرة) وكل الوثائق. الهاتف. وقبل كل شيء جواز السفر. يسألونني عن المهنة، ومن غير تفكير أقول: كاتبة (écrivain). هل هي مهنة؟ لا أعلم، لا أعتقد، لم أعتبرها يوماً عملاً حقيقياً، فالعمل الحقيقي هو الذي يؤمّن لقمة العيش، لكن في تلك اللحظة كان هذا أول ما خطر لي.
شرطي لطيف جداً يجهّز لنا محضراً يمكننا بواسطته العودة إلى إيطاليا في اليوم التالي، السبت، عبر رحلة رايان إير.
لكن، بعد عودتي إلى الرياض، أقضي الليل أتقيأ، وطوال اليوم التالي أيضاً. كان ذلك هو الجحيم الحقيقي، أكثر من ألم العين، لا أستطيع الاحتفاظ حتى بالمضاد الحيوي والمسكنات، أجد نفسي أدعو الله أن يخلصني من تلك الغثيان، وأفكر بكل من يخضع للعلاج الكيميائي، وأقول لنفسي: من أكون لأستحق التفاتة من الله، وهناك من يعاني أكثر بكثير؟
وفي تلك الحالة كانت فكرة الذهاب للمطار وركوب الطائرة تخيفني، لكننا نقرر السفر رغم ذلك.
في المطار آخذ معي كيساً إذا اضطررت للتقيؤ. نصل إلى تسجيل الوصول مع محضر الشرطة بالعربية حوالي الساعة الخامسة. الرحلة في التاسعة. موظف رايان إير يقول إن ذلك غير كافٍ، لا يمكننا السفر، وأنه نحتاج إلى ختم من القنصلية الإيطالية.
كل شيء يجري قليلاً بالفرنسية، قليلاً بالإنجليزية، وقليلاً بالعربية.
عائلة إيطالية تساعدنا وتمنحنا رقم الطوارئ للقنصلية الإيطالية، التي تكون مغلقة يوم الجمعة بسبب العطلة الإسلامية، والسبت والأحد بسبب العطلة الأوروبية. ترد فتاة وتقول إنها لا تستطيع تحمل أي مسؤولية، وأنها ليست حتى في المكتب، وتكرر: القواعد هي القواعد. وتخبرنا أن الإجراء يفرض أن نذهب إلى الدار البيضاء (وأنا بوجهي المنتفخ، ورؤيتي المشوشة، وتقيئي بسبب الارتجاج، وصائمة منذ يومين) للحصول على ختم القنصلية الإيطالية كي نتمكن من مغادرة المغرب.
ابن العائلة الإيطالية، شاب عشريني ذكي وجريء كما هم الشباب، كما قد يكون ابني، يأخذ الهاتف منها ويقول: “أنا مواطن إيطالي، كيف يمكن لنا نحن الإيطاليين أن نشعر بأن قنصليتنا تحمينا، إذا لم تكن هناك حتى إجراءات طوارئ لتجاوز قاعدة ما في وضع كهذا، مع شخص تعرّض لاعتداء، ولا يمكنه العودة رغم وجود تذكرة سفر، وزوجها يحمل جوازاً إيطالياً ومعهم محضر شرطة مغربي؟”
لا جدوى. سنضطر للبقاء في مراكش حتى الاثنين، ثم الاثنين الذهاب من مراكش إلى الدار البيضاء.
الرياض الذي كنا فيه ممتلئ بالكامل. أبي يجد غرفة في رياض قريب. نبحث عن تاكسي للعودة من المطار إلى المدينة.
ليس كل الشر يأتي بالضرر، ففي الأحد يتوقف القيء، أبدأ أشعر بتحسن، وربما الانتظار عدة أيام قبل ركوب الطائرة بعد ارتجاج دماغي كان قراراً صحياً. أبقى منكمشة في غرفة الرياض، لا أريد رؤية شيء من مراكش، حتى مساء الأحد حين أشعر بالعطش. إشارة جيدة. يشجعني زوجي وأبي وزوجة أبي على الخروج. لا كسكس، فقط قليل من الأرز الأبيض، أستطيع ابتلاعه. جيد.
وبدأت أرى حولي شيئاً آخر. بلداً آخر.
نسيجاً من اللطف، والعناية، والتضامن المؤثر من الجميع: أصحاب المطاعم، أهل الحي، العاملون في الضيافة، رجال الشرطة، المشردون، سائقو التاكسي الذين يضعون أيديهم على قلوبهم عندما يرونني أعبر، يمنحونني مصافحات، عناقاً، قبلات على رأسي، ويقولون: “أنا آسف”، “أنا آسف”. سائقو تاكسي يدعوننا للغداء في منازلهم مع زوجاتهم وأطفالهم، يقولون: لابد أنهم غرباء، نحن نهتم بأن نعامل السياح جيداً، وهؤلاء اللصوص شوّهوا صورة بلدنا. وكانوا صادقين.
النساء يتجولن ليلاً بمفردهن، علاقات زوجية متوازنة، يعملن، يقُدن الدراجات، يرتدين الحجاب بأناقة، وليس كلهن. الانطباع هو بلد متوازن ومتسامح، قريب منا كثيراً، على الأقل في المدن.
يقول البعض ربما كان يمكن أن يحدث في أي مكان، وأوافقهم، حتى في ميلانو، التي سُرقت حقيبتي فيها قبل أشهر، والتي لم تعد مدينة آمنة جداً. وأصبحت فردانية للغاية.
الحقيقة أن فيديو الكاميرا انتشر على وسائل التواصل (أرفقته أدناه)، ويقولون لي إنه ينتشر ليس فقط في مراكش ولكن في كل المغرب. في أحد المطاعم يطلبون التقاط صور معي. أبنائي على هاتف زوجي من إيطاليا يقولون: “ماما، صرتِ ميم في المغرب، وليس فقط الكتب”. إن شاء الله، إن شاء الله.
أشتري نظارات من بائع سنغالي (نظاراتي سُرقت مع الحقيبة) لأحمي عيني من الشمس وألا أخيف الناس، هو أيضاً يضع يده على قلبه ويقول: “آسف”، ويقول: “الإيطاليون طيبون”. أقول له: “السنغاليون طيبون”.
يأتي يوم الاثنين. نحجز رحلة العودة إلى إيطاليا يوم الثلاثاء لأن القنصلية تحتاج إلى تذكرة سفر لإصدار التأشيرة. القطار من مراكش إلى الدار البيضاء قطار جميل، مريح ودقيق، مقصورات قديمة مبطّنة، والكثير من الموظفين ببدلات رسمية وحقائب عمل، شيء يشبه قطار الشرق السريع. حوالي ثلاث ساعات من صحراء صخرية حمراء، بعض القرى الوردية والحمراء، نخيل، حقول زيتون ضعيفة، وفي الأفق الأطلسي. الغثيان اختفى، حالتي العامة تحسنت قليلاً، الرؤية ما زالت ضبابية، لكني أستمتع بالرحلة كأنها استراحة.
الدار البيضاء بيضاء، ونَفَس من المحيط، وهواء. في القنصلية الإيطالية ننهي الإجراءات، ونحن خائفون من أن ينقصنا شيء، صورة، توقيع، وثيقة صغيرة تمنعنا من العودة للوطن.
إيطاليا تصبح فعلاً سراباً، أفكر بالمهاجرين، أو بمن لا يستطيع العودة إلى وطنه، أو من يعيش بعيداً.
سائق التاكسي الذي يعود بنا إلى المحطة لطيف للغاية، وبثمن بسيط يأخذنا لنرى المسجد والبحر، يريد دعوتنا للأكل في منزله، ويريد إخبار زوجته، ويقول إنه يمكننا النوم في بيته إن احتجنا، لكننا نستعجل للعودة إلى مراكش. من جديد الصحراء عند الغروب، وفي المقصورة أناس يضحكون، لطفاء، مفعمون بالمودة، فتيات بعضهن محجبات وبعضهن غير محجبات، كلهن مبتسمات.
في اليوم التالي، في المطار مع زوجي وأبي وزوجة أبي، يعيش فينا الرعب عند كل نقطة تفتيش من الشرطة (لقد رأوا الفيديو، زملاؤهم أرسلوه لهم!) أن ينقصنا شيء ما. نتجاوز حاجزاً، طوابع، صوراً، بصمات، ثم آخر وآخر. لحسن الحظ ذهبنا قبل ثلاث ساعات.
عندما أضع قدمي على درج الطائرة لا أصدق، رغم خوفي قليلاً على جرح رأسي. وقد يبدو كلاماً عادياً، لكن لم يحدث أن قدّرت معنى كلمة “البيت” كما في هذه الأيام.
في الرياض، من دون هاتفي، وباتصال إنترنت يتقطع، تمكنت من العثور على أرقام المدرسات اللواتي كان من المفترض أن ألتقي بهن هذا الأسبوع. سألغيه أيضاً الأسبوع المقبل. في إيطاليا، أصحاب المهن الحرة لا يملكون حماية اجتماعية، والنقابات… دعك منها.
في الحقيقة، ألغيت اللقاءات (هل يمكنني القيام بها عبر الإنترنت؟ وبهذا الوجه؟) كي لا أخيف الأولاد والبنات بوجهي المنتفخ مثل الراكون (آمل أنه مؤقت).
في الواقع، لم ألغها، بل أجلتها فقط. وطالما يمكن تأجيل موعد في مفكرة وردية، فهناك حياة. وطالما يمكن رشّ ماء زهر البرتقال على الوجه، تبقى روح المغرب معطرة بزهر البرتقال، ويمكن تحضير شاي النعناع في مطبخنا. Deo gratias. باروخ هاشم. إن شاء الله.
لقد قبضوا عليهم، نعم، والتهمة قد تكون محاولة قتل، لكني آمل إن كانوا شباناً في سن أولادي ألا تكون العواقب قاسية فتدمّر مستقبلهم، بل كافية فقط ليدركوا حجم الضرر الذي ألحقوه، والضرر الأكبر الذي كان يمكن أن يلحقوه، لأنهم بالتأكيد لم يتوقعوا كل ما حدث.
* الترجمة تمت عبر ChatGPT



